الاثنين، 15 يوليو 2013

الزواج بالفاتحة و آثاره





عندما يصطدم الميثاق الغليظ بعديمي الضمير عقد شرعي.. نساء رهن وقف التنفيذ وأولاد بدون هوية الزواج بالفاتحة ميثاق غليظ، غير صحيح وسط صخب الاحتيال عقد قران شرعي.. يضع المرأة في خانة العشيقات قانونيا .

إنه زواج الفاتحة.. زواج حلله الشرع وحرّمه الإنسان بفعلته الشنعاء، ظاهرة انتشرت في المجتمع الجزائري انتشارا لا مثيل له في السنوات الأخيرة، أصبح وسيلة العديد من الشبان للحصول على المتعة والتلاعب بعقول الفتيات اللاتي يفقدن جميع حقوقهن بهذا العقد الشفهي، بعد تهرّب أزواج مزعومين وتنصلهم من تبعات الزواج والتزاماته بأعذار واهية، لينطبق عليهم المثل الجزائري “دارها وخبا راسو”، وتكون الضحية الوحيدة الأطفال الذين يدفعون فاتورة علاقات زوجية شرعية من ناحية الشرع مرفوضة قانونيا، تضيع حقوقهم، وتضيع معها أنسابهم، وتبقى المرأة حائرة بين مطرقة الأولاد وسندان المجتمع لتقضي بقية أيامها في أروقة المحاكم محاولة منها إثبات هوية ونسب فلذة كبدها.

وبسبب التلاعبات التي طالت هذا الزواج الذي يشبه الزواج العرفي، والذي تجاوز مليونين و800 ألف حالة سنويا، بحسب ما جاء في تصريحات “عدة فلاحي” المستشار الإعلامي بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية لـ”المقام”، فقد أقدمت الوزارة في وقت ليس بالبعيد على منع عقد الزواج الشرعي إلا بعد تسجيل الزواج في سجلات الحالة المدنية، حفاظا على كرامة المرأة من ناحية، وتفاديا لمشاكل إثبات النسب والأبوة من ناحية ثانية.
وفي محاولة لاختراق هذه الظاهرة ومعرفة خباياها ودوافعها والكيفية التي تتم بها، طرقنا أبواب ضحايا ذئاب بشرية ليروين لنا قصصهن وطريقة وقوعهن فريسة سهلة لمحترفي هذا النموذج من الزواج.

مطالبة بالحقوق الشرعية.. تنصل من المسؤولية وزواج من أجل الطلاق

كانت بدايتنا مع “ت” 25سنة، التي أبت إلا أن تروي لنا حكاية زواجها قائلة أنها كانت في الثلاثين من عمرها عندما تقدم جارها لخطبتها، ويوم الخطبة حضر إمام المسجد للمنزل وتم عقد الزواج الشرعي بقراءة الفاتحة وحضور شاهدين، واتفق الجميع على أن يكون العرس بعد عام حتى يتمكن العريس من تجهيز منزل الزوجية، لكنه خلال فترة الخطوبة أقنعها بأنها زوجته شرعا بموجب الفاتحة التي قرؤوها، وبدأ يطالبها بحقوقه كزوج، وعندما اقترب موعد الزواج فوجئت به يتنصل من وعوده لها زاعما أنه سيقترن بأخرى، وعندما توسلت له كي يقوم بتسجيل زواجهما بعقد رسمي خاصة بعد اكتشافها أنها حامل، رفض وبشدة، مما جعل والدها يستنجد بإمام المسجد الذي عقد الزواج الشرعي، لكنه لم يصغ لأي منهما.
أما “ف”، هي الأخرى حدثتنا قائلة: “أحسست حينها أني ظلمت نفسي، وجنيت على الجنين الذي سيولد بدون أب، وقررت اللجوء للمحكمة لرفع دعوى في قسم شؤون الأسرة للمطالبة بتثبيت الزواج، وبعد عام من الانتظار حصلت على ورقة إثبات الزواج وبعدها ورقة الطلاق، لأستعيد كرامتي وشرفي أمام المجتمع، إلا أن والد ابنتي لم يعترف بها إلى الآن، رغم أنني رفعت دعوى إثبات نسب، لكنه رفض الوقوف أمام المحكمة أو استلام استدعاءات الحضور”.

قصة الأربع بنات والعريس المزيف.. تعددت الروايات.. والنتيجة واحدة

مأساة جديدة بطلاتها أربع فتيات وقعن ضحية شاب هوايته الوحيدة الزواج بالفاتحة بغرض المتعة فقط، تمكنت إحداهن من كشفه بعدما تقدم لخطبتها برفقة والدته وإمام مسجد تبيّن فيما بعد أنهما مزيفان، وكانت المفاجأة أن الفتاة كانت قريبة للضحية الأولى التي قرأ مع والدها الفاتحة وحدد موعدا للزواج، إلا أنه هرب قبل الموعد المحدد بعد أن نال بغيته، على الفور توجهت العروس الجديدة للشرطة التي كشفت عن ضحاياه الثلاث الأخريات، وتمت إدانة العريس وأمه المزيفة والإمام الذي تبيّن أنه صديقه بعقوبة 6 سنوات سجنا نافذا.

جزائريات من زواج الفاتحة إلى “التبهديلة” في المحاكم

“ب”، 30 سنة، أسثادة، تزوجت العام قبل الماضي بصيغة زواج الفاتحة، تقول متحسرة: “خطبني شاب يكبرني بخمسة أعوام، وتبعا لعدم ملكيته لشقة، أقنعني بترسيم الزواج بالفاتحة إلى حين تحسن ظروفه، عائلتي عارضت بشدة، لكنني أمام إلحاحه وافقت وبدأ يعاشرني باستمرار حتى ظهرت عليّ علامات الحمل، عندها طلبت منه الإسراع في تجسيد علاقتنا الزوجية بعقد مدني، حينها بدأ يصطنع الأعذار، والنتيجة أني رُزقت بابنتي سلوى التي لم أتمكن إلى الآن من تسجيلها إداريا واستخراج شهادة الميلاد لانتفاء العقد الرسمي، ووجدت نفسي مجبرة على رفع قضية ضد زوجي، ولم تفصل فيها المحكمة بعد

قدري، ظروفي، ساعفيني، اصبري عليّ…” أقوال ومآثر.. والضحية المرأة

أما “ن”، 32سنة، فقصتها كانت أكثر سوءاً حيث التقت قبل أربع سنوات برجل يبلغ الأربعين من العمر، عرض عليها الزواج بالفاتحة لفترة مؤقتة وأنه سيرسم الزواج بعد موت زوجته الأولى التي أكد أنها تعايش مرض السرطان وهي على حافة الموت، وما كان منها إلا أن وثقت في الرجل الذي كان ملتحيا وعلامات الورع بادية على محياه، وبعد معاشرة زوجية دامت ثلاث سنوات أنجب معها بنتين لم يقبل الوالد الاعتراف بهما إلا بعد موت زوجته التي تبيّن بعد ذلك أنها في حالة جيدة، مما دفع بها إلى اللجوء للمحكمة قصد ترسيم زواجها والاعتراف ببنتيها، غير أن الوالد رفض المثول أمام المحكمة ليبقى مصير الأطفال مجهولا.

لي فاتها القطار لي يجي مرحبا بيه”…عوانس يقبلن هذه الوضعية للظفر برجل

من جهتهن اعتبرت الكثير من الفتيات اللاتي تأخرن في الزواج أن قبول إبرام الزواج بالفاتحة هو آخر حل يمكّنهن من التخلص من العنوسة وكل نظرات المجتمع المجحفة في حق من تأخرت في سن الزواج. وفي هذا السياق تقول “ك”، 38سنة: “لا أمانع من الزواج بالفاتحة، فهو زواج شرعي ومعترف به أمام الله والمجتمع بغض النظر عن نوايا الخاطب”، مضيفة أنه مع ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع الجزائري، لم يبق أمام بعض الفتيات سوى القبول بهذا الشرط للتمكن من تكوين أسرة.
هو رأي الكثير من الفتيات ممن رضخن للأمر الواقع وقبلن الزواج بهذه الطريقة وفي هذه الظروف، فـ”أ” على سبيل المثال تجاوزت الثلاثين وقبلت الزواج بأب لخمسة أطفال دون عقد مدني فقط كي تحظى بفرصة الزواج وتكوين أسرة.
ونتيجة لكل هذه الظروف وقعت الكثيرات في مشاكل كبيرة بعد وضعت ثقتها في هذا الزواج، يتعلق الأمر بنساء حُرمن من كل حقوقهن، وفيما يلي بعض ضحايا هذه الظاهرة.

….والعقد قبل الفاتحة شروط موجوب

يتذكر إمام مسجد ابن باديس، بالجزائر بالعاصمة، عند مسائلتنا له أنه صادفته حادثة من هذا القبيل، فأكد لنا أنه “عاهد نفسه من حينها ألا يعقد الزواج الشرعي إلا بعد كتابة عقد الزواج القانوني أو في يوم الزواج الرسمي، موضحا أن هذا الإجراء الذي تبنّاه العديد من الأئمة بسبب انتشار ظاهرة زواج الفاتحة يعتبر حلا مثاليا لحفظ كرامة وحقوق المرأة الضحية الوحيدة لمثل هذه التصرفات، خاصة إذا نجم عن الزواج حدوث الحمل”
ويضيف أن وزارة الشئون الدينية بالجزائر اتخذت مؤخرا إجراءات ردعية ضد الأئمة الذين يقومون بعقد زواج الفاتحة، ومنعتهم في تعليمة وزارية رسمية صدرت نهاية 2008، من عقد الزواج الشرعي قبل تسجيل الزواج بسجلات الحالة المدنية، تفاديا للمشاكل الكثيرة التي تنجم عنه.

وللدين نظرته… زواج صحيح شرعا، خاطئ بخطأ أصحاب الضمائر الميتة

أكد “عدة فلاحي”، مستشار وزير الشؤون الدينية، في اتصالنا به أن الزواج بالفاتحة صحيح شرعا، لأنه استوفى جميع الشروط التي حثّ عليها الإسلام، لكن نقص الوفاء في مجتمعاتنا وتلاعب أصحاب الضمائر الميتة بهذا العقد، الذي وصفه القرآن بالميثاق الغليظ، جعل المرأة وأبناءها ضحية للكثير من التصرفات التي لا تمتّ للدين بصلة، منها ضياع حقوق المرأة والأولاد، خاصة فيما يتعلق بحقوقهم المدنية، وعليه فإن وزارة الشؤون الدينية اتخذت إجراءات قانونية وهي وجوب حضور عقد القران المدني قبل قراءة الفاتحة، محاولة منا الحد من قضايا إثبات النسب، مضيفا فقد أقدمت الوزارة في الوقت ليس بالبعيد على منع عقد الزواج الشرعي إلا بعد تسجيل الزواج في سجلات الحالة المدنية، حفاظا على كرامة المرأة من ناحية، وتفاديا لمشاكل إثبات النسب والأبوة من ناحية ثانية.

عقد قران شرعي.. يضع المرأة في خانة العشيقات قانونيا

أكدت المحامية ، خلال اتصالنا بها لاستشارتها في موضوع الزواج والإحصائيات التي تسجلها المحاكم الجزائرية، أن المحاكم الجزائرية تسجل يوميا قضايا خطيرة متعلقة بإثبات النسب وترسيم الزواج الذي تحوّل إلى جحيم بسبب رفض الزوج الاعتراف بأبنائه إداريا مما يتسبب في حرمانهم من مختلف حقوقهم المدنية، وتضيف المتحدثة أن هذا النوع من الزواج ينتشر بشكل غير مسبوق بين الجزائريين المقيمين في المهجر بسبب رفضهم للقانون الفرنسي الذي يسمح للأزواج باتخاذ عشيقات ويجيز لهم العيش بشكل منفصل أي كل واحد منهم يعيش في مكان خاص به، ويجد الجزائريون في الزواج “بالفاتحة” بديلا للزواج عن الطريقة الفرنسية المدنية، وهذا ما ينجر عنه العديد من المشاكل التي عادة ما تذهب ضحيتها المرأة والأطفال، فالقانون الفرنسي يعتبر المرأة التي تريد إثبات زواجها بالعشيقة، لأنه لا يعترف بالفاتحة، وهذا ما يجعل العديد من الأزواج يفضلون حرمان أطفالهم من الحقوق المدنية بدل تصنيف المرأة في خانة العشيقات قانونا.
زواج شرعي ولكن..
وعلى الرغم من معراف المحامي، يعتبر زواج الفاتحة زواجا شرعيا تتوافر فيه كل الشروط المنصوص عليها في الدين الإسلامي (ولي، شاهدان وصداق)، فإنها ترفض هذا الزواج قائلة: إنه في حالة تراجع الزوج عن فكرة إتمام الزواج بعد عقد الزواج بالفاتحة، تلجأ المرأة إلى فرع الأحوال الشخصية من أجل تثبيت الزواج، ويقوم القاضي حينها باستدعاء الشاهدين والولي والإمام للتأكد من توافر أركان الزواج الشرعي، بعدها يصدر الحكم بتثبيت زواج الفاتحة الذي كان يعتبر عرفيا مع تسجيله لدى ضابط الحالة المدنية.


ومن جهة أخرى، أشار المحامي إلى أن الإشكال يُطرح عندما يثمر هذا الزواج أطفالا، ويكون تاريخ تثبيت الزواج العرفي لاحقا بعد الولادة، مما يضطر الزوجة لرفع دعوى من أجل تصحيح تاريخ الزواج الرسمي حتى يتمكن الابن من حمل اسم والده، مشيرا إلى أن قضية إثبات النسب أو تثبيت الزواج تتطلب وقتا طويلا إذا لم تعثر الزوجة على أحد الشهود، أو رفض الزوج الحضور للمحكمة، وأن المشكلة الكبرى إذا لم يحضر الإمام الذي شهد على زواج الفاتحة، مما يصعب على الزوجة إثبات زواجها، وتدخل في دوامة المحاكم حتى يحضر الشهود للإدلاء بشهادتهم في القضية، وهذا لا يكون بالأمر الهين على المرأة ولا حتى على الأطفال الراغبين في إثبات نسبهم لتقضي عدة أشهر وفي بعض الأحيان بضعة سنوات في أروقة المحاكم لتحقق مبتغاها الذي هو من أبسط حقوقها.
والسؤال يبقى كيف كان السلف قيل اليوم أما الميثاق الغليظ أصيح لعبة في يد الصغار ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق